بمجرد إلقاء نظرة ولو صغيرة لما يدور حولنا سيجعلنا محبطين لما آلت إليه المؤسسات التربوية في تونس. حيث تراجعت تونس على مستوى مؤشر جودة التعليم للعام 2020، وصنفت في المرتبة السابعة عربيًا وفي المرتبة الـ 84 عالميًا، بعد أن كانت في مراتب أفضل لسنوات في جودة التعليم وتصنيف الجامعات، ما يطرح بجدية جهود السلطات في الإصلاح والتغيير. ومنه نتأكّد كم بات مهمًّا إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية إيمانًا بأنّ تكوين وخلق جيل واعي يُعدّ الدعامة الأساسية لكل نهضة وتطوّر اجتماعي واقتصادي وتنمية مجتمعية مستدامة.
لعلّ والأكيد أنّ الدولة التونسية بتعاقب حكوماتها لم تنجح في إيجاد مقاربة أو وصفة لإصلاح المنظومة التربوية للحصول على جودة تعليم ترتقي لبناء أفراد ومجموعات مفكّرة وواعية وأهمّها سعيدة. فمنذ 2011 تواتر عشرة وزراء على تقلد منصب وزارة التربية في البلاد، وظلّ إصلاح منظومة التعليم والارتقاء بجودة البحث والمعرفة مجرد شعارا ت.
لم تنجح الدولة، ولكن مبادرات فردية لمربّين ومربيات نجحت في تحقيق النتائج المرجوة. وهذا ما نجحت فيه المربية أريج الضميّد وهي معلّمة في إحدى مدارس برج السدرية حيث جعلت من الحب قاعدتها الأولى في أداء واجبها.
تتعدّد وتتنوّع المبادرات التي قامت بها أريج وأوّلها محاولتها توعية تلامذتها من ظاهرة التنمّر وتأثيرها السلبي على نفسيات التلاميذ الهشّة. حيث انطلقت هذه المبادرة من تجربة شخصية مرّت بها إحدى تلامذتها. السلوك العدواني في المؤسسات التربوية بين صفوف التلاميذ وما يسمّى بظاهرة التنمّر حيث بات العالم كله يشتكي منها ويعاني من ويلاتها. ربما لا يشعر الكثير من الآباء والأمهات أو حتى من المسئولين التربويين في المدارس بمدى المشكلة التي يقع فيها أبناؤهم أو تلامذتهم كضحايا للتنمر إلا بعد فترة طويلة نسبيًا، وذلك كنتيجة لوقوع هؤلاء الأبناء تحت ضغط شديد وإرهاب مادي أو معنوي لا يسمح لهم حتى بمجرد إظهار الشكوى أو إعلان ما يتعرضون له حتى لا ينالهم مزيد من الأذى على يد هؤلاء المتنمرين.
وهنا ما نجحت فيه المربية أريج الضميّد في إنّها تسلّط الضوء على مثل هذه الظواهر لما لها من تأثيرات كبيرة على نفسيات تلامذتها. حيث شاركت ما قامت به مع تلامذتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومنه نشر الوعي بأهمية الإحاطة بأطفالنا.
كذلك لم تقتصر المبادرات التي قامت بها أريج على ظاهرة التنمّر فقط وإنّما تجاوزت ذلك لتحدّث تلامذتها على التربية الجنسية محاولة منها في إنشاء وعي لدى التلاميذ بالتغيرات التي تطرأ على أجسادهم وكيف لهم حمايتها وأهمّها قبول الذات وحبّها في ظل تفشي ظواهر العنف والتحرّش الجنسي في صفوف التلاميذ في الأوساط التربوية. في محاولة منها إلى مكافحة التحرّش الجنسي وتعزيز التوعية على الثقافة الجنسية من خلال طرح مواضيع لها علاقة ومنه نعني التربية الجنسية، بهدف حماية تلامذتها من الاعتداءات، والحماية من التحرش، وإعطائهم معلومات صحيحة.
كما أكّدت أريج أن التربية الجنسية تكون من خلال تبسيط المفاهيم وتمرير رسائل لتوعية الأطفال. مثلاً، بالنسبة إلى سنوات التحضيري، يجري الحديث عن معطيات عامة تتعلق بنظافة الجسد وكيفية الوقاية من التحرش، مشيرة إلى أن بعض الأطفال يصلون إلى سنّ البلوغ ولا يفهمون التغيرات التي تطرأ على الجسم، ولا يعرفون أجسادهم. وهناك من يعانون من مشاكل نفسية، حتى إن البعض الآخر يصل به الأمر إلى حد الانتحار ولا يجد من يتحدث إليه. وتؤكد أنه لا بد من معرفة معنى التربية الجنسية، لأن البعض ينخرط في هذه الخطوة من دون الوقوف على إيجابياتها. فالتربية الجنسية ليست أمراً إباحياً، بل هي تزويد المراهقين والأطفال بالمعلومات التي يحتاجونها في هذا الخصوص.
لتواصل المربّية أريج بعدها في تقديم نصائح وتوجيهات للأولياء في طريقة تعاملهم مع أعداد ونتائج أبنائهم. وهذا ما رأيناه في فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وقد لقت رواج في صفوف التونسيين. حيث أكّدت أريج على أهمية الإحاطة وعدم معاملة التلاميذ بناءً على أعدادهم.
في الأخير، يمكننا القول أن أريج كمدرّسة شابة دخلت للمؤسسة التعليمية بنظرة تغييرية وروح شبابية نجحت في تحقيق جودة تعليم وإنشاء وعي لدى تلامذتها، وهذا ما قد يساهم في خلق جيل قد ينجح في بناء تونس التي نتمنّى. ومنه نشكر ونثني على كل مربي ومربية تبنّى الحب كقاعدة أولى في التعليم وهدفه النجاح في خلق جيل واعي وسعيد.