"الوصفان ملاولنا البلاد، باش يقطعوا علينا الخبزة"، "أنا من شننّي يعيشك، منيش من العربّش متع قابس"، "ملي سمعت بيه المشيشي جندوبي عرفتها باش تخلى"، "وه، أنا نعطي بنتي لواحد مش بلدي؟ أنا نعطي بنتي لبرّاني؟ علاه، مضروبة على راسي؟”، "تي قعر، من ورا البلايك"، "08"، إلخ، إلخ، إلخ…
هذه عيّنة مما نسمعه بشكل يومي أثناء التجوّل وسط العاصمة أو داخل وسائل النقل. تجتمع هذه العبارات في إثارتها للاشمئزاز، وتعبيرها عن الحقد تجاه كلّ ما هو "آخر" أو ما نسميه في تونس "برّاني" ولكن تختلف في فحواها. بين العنصريّة على أساس العرق، والعنصريّة على أساس الجنسية، والصور النمطية التي نسندها لبعض الجهات، والعنصرية داخل تلك الجهات بحد ذاتها بين أصيلي بعض القرى والمعتمديات، نجد تنوّعًا مثيرًا للاهتمام في تونس.
ويعشق العديد من التونسيين إنكار وجود العنصرية بتونس لحدّ التهجّم على من يتجرّأ على التحدّث في هذا الموضوع، ومقاطعته كما حدث لإشراف دبش، بعد تحدّثها على قناة التاسعة في سبتمبر 2020 على مظاهر العنصريّة في الجنوب التونسي. بين هوس مجتمعنا بتكذيب الضحايا، وكميّة التعصّب المهولة لتلميع صورة تونس أمام العالم طمعًا في جلب الاستثمارات، تتفاقم هذه الأزمة وتزداد عمقًا.
ولكن من أوجه الطرافة والغرابة في تونس، أنّه من حين إلى آخر يتقدّم شخص عنصريّ، أو اثنان بكلّ فخر ويعبّرون عن استيائهم لمحاولات العديد إخفاء اشمئزازهم من الآخر، "البراني"، وعما يعتبرونه آراء شخصية. في 2022 لا زلنا لا نعرف الفرق بين التعبير عن رأي شخصي، وخطاب الكراهية في تونس. لعلّ أبرز مثال على هذا هو مداخلة "مدام أحلام" في إذاعة موزاييك، وما قالته من سبيل "البلدي بلدي والجلاصي جلاصي والجندوبي جندوبي" و"باش نعطيه بنتي وانناسبو…من المستحيلات السبعة" و "يلزم يسكن من بين البيبان السبعة."
لاقت مداخلتها على الإذاعة موجة من الاستنكار على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكنّ المضحك في الأمر أنّ عددًا مهولًا من المستنكرين واجهوا عنصريّة "مدام أحلام" بالمزيد من العنصريّة والسخرية، والتعبير عن اشمئزازهم من "البلديّة"، أو ساكني "البيبان السبعة" في العاصمة. حتّى أنّ البعض انكبّوا يخلقون صورًا نمطية جديدة لم نسمع بها من قبل، فقط للسخرية من "مدام أحلام" وأمثالها، ليس أمثالها من العنصريين وإنّما أمثالها من سكان العاصمة…
يعوّل البعض هذه الكميّة المهولة والتنوّع في أشكال العنصرية إلى مخلفات الاستعمار متحججين باعتماد ما سمّي بالحماية الفرنسية على استراتيجية "فرّق تسد"، التي اعتمدتها جميع الأنظمة الاستعمارية في القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي تعتمد على نشر الفتنة، والتحريض بين الجهات والقرى والقبائل لضمان عدم اتحادهم للمطالبة باسترجاع بلادهم. كنتيجة طبيعية لاعتماد هذه الاستراتيجية، حتى بعد الاستقلال، تواصل انتشار الفتنة ورفض الآخر حتى وصلنا إلى هذه الوضعية. فيبقى الحلّ في توعية الشعب، واستئصال هذه الأفكار من خلال البرامج المدرسية، وتصفية وسائل الإعلام، والمنتوج السمعي ال بصري في تونس من جميع أشكال العنصرية.
أما البعض الآخر فيعتبر أنّ هذا ببساطة نتيجة انتشار الجهل في تونس، وانهيار المنظومة التعليمية، وتدنّي مستويات المحتوى الإعلامي في تونس، مما يطرح إمكانية التخلّص، ولو جزئيًا، من هذه الآفة عبر الاستثمار في قطاعي التعليم والإعلام، وإعطائهما الأولويّة في بناء تونس ما بعد الثورة.