يواجه العالم اليوم تحديّات كبيرة متعلّقة بشح المياه ولعلّ التغيرات المناخية التي يواجهها الإنسان ساهمت بشكل كبير في نقص الكميات المحدودة للمياه بسبب ظواهر طبيعية مثل: ارتفاع درجات الحرارة وتبخّر المياه وأيضًا الاستهلاك العشوائي وغير المرشّد.
ونذكر هنا ماقالته في وقت سابق من العام الفائت، نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس: ''لسنوات، حاربنا من أجل النفط، لكن وخلال وقت قصير، سنحارب من أجل الحصول على المياه ''.
وبشكل خاص فقد أكّدت عديد التقارير أنّ تونس من الدول التي تعاني الفقر المائي والتي ستعاني الجفاف إن لم يكن هناك حلول سريعة وجديدة وغير مكلفة. وبحسب دراسة سابقة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، من المتوقع أن تواجه تونس انطلاقًا من سنة 2030 وبحدة أكبر مشكلة مياه، حيث من المنتظر أن تصل الموارد المائية المتاحة سنويًا لكل ساكن حوالي 360 مترًا مكعبًا، مقابل 420 مترًا مكعبًا في سنة 2006 و1036 مترًا مكعبًا سنة 1960.
وفي غياب سياسات خضراء للدولة التونسية وغياب الإرادة أيضًا في إيجاد حلول للازمة من شأنها ضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمستقبلية، فإنّ للمبادرات الفردية دور مهم في إحداث نقلة نوعية في تحقيق نتائج إيجابية بأقل كلفة.
وهذا ما نجح فيه مجموعة من الشباب التونسي الناشط في نادي Enactus ESB حيث قاموا بإنشاء مشروع "المياه للجميع" يتمثّل في إستخراج الماء من الهواء ومن الرطوبة.
ربما تبدو الفكرة للوهلة الأولى غريبة وغير واقعية، ولكن المشاركة في هذا المشروع الطالبة أميمة بن براهيم أكّدت أن هذا يعتبر إنجازًا كبيرًا في التحدي طويل المدى المتمثّل في استخراج الماء من الهواء والرطوبة. فالهواء المحيط بنا في كل مكان يحمل نسبًا معيّنة من الرطوبة. حيث يقدّر العلماء والتقارير العلمية أنّ الغلاف الجوّي للأرض يحتوي على1300 ترليون من المياه على شكل بخار في الهواء.
نجحت هذه المجموعة من الشباب في تصنيع آلة تستخرج الماء من الرطوبة حيث نجدها اليوم تنجح في استخراج 80 لترًا من المياه يوميًا. وقد تمّ توزيع هذه الكميات لكميات صالحة للشراب وكذلك للزراعة والرّي، وإنّ النتائج المتحصّل عليها تؤكد أنّ هذا المشروع مع قليل من التشجيع من الدولة سيحدث نقلة في عالم المياه ومنها إيجاد حلول من شأنها حلّ مشاكل قد تهدّد الوجود الإنساني والحي في المستقبل ومنه عديد المبادرات المائ ية الأخرى. وهم الآن بصدد تصنيع غرفة مجهزة Autosuffisant حيث تمكّن أي مواطن الحصول عليها واستخراج الماء وحده.
وتتمثّل هذه الخطوة في تشريك المواطن في عملية الإنتاج وتحقيق الوعي بأهميّة الماء ومنها ترشيد استهلاكه كذلك تخفيف الضغط المائي على الموارد الطبيعية السطحية والجوفية ومنه الدولة في توزيع المياه.
يعتبر هذا المشروع نقلة نوعية في تونس خاصة في ظل الظروف البيئية وشح المياه الذي تعاني منه تونس. ولهذا المشروع عديد الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية ويعتبر نقلة كذلك في مجال التقنيات غير المكلفة.
وهذا ما أكدته أميمة بن براهيم حيث قالت أنّ أهدافهم وطموحاتهم كبيرة ولن يقتصر فقط على تونس وإنّما سيتوسّعون، وخاصة وأنّ العالم كله يواجه ويعاني الشح المائي وخطر الجفاف.
إلى جانب المبادرات البيئية والمشاريع الساعية لإيجاد حلول مستعجلة للعديد من المشاكل التي تهدد وجودنا، أكّدنا في حوارنا على أهميّة أن يعي الإنسان والمواطن التونسي خاصّة أهميّة الماء وترشيد استهلاكه.
في الأخير، إلى جانب كلّ ماقلناه فإنّ الأمل الحقيقي في مثل هذه التجارب أنّ المستحيل ليس تونسّي ومرّة أخرى نثبت أنّ الشباب التونسي مبدع ومنه فإنّ مستقبل تونس أخضر وفيه ماء قابل للتحقيق.