عاد موضوع "التلاعب بالنتائج" في مباريات كرة القدم التونسية، ليتصدر حديث الشارع الرّياضي التونسي في الأسابيع الأخيرة، على خلفية نتيجة م باراة الترجي الجرجيسي وأمل حمام سوسة في ختام مرحلة تفادي الهبوط إلى الرابطة المحترفة الثانية، حين تعادل حمام سوسة في الدقيقة الـ100 في مشهد أثار سخط وغضب غير مسبوق.
تصاعدت وتيرة التلاعب بالنتائج بشكل مطرد أخر 3 أعوام في مختلف أقسام البطولة التونسية، لتضرب بأخلاقيات كرة القدم عرض الحائط، وتفرز واقعا كرويا قاتما دخل مرحلة "السّوداوية".
لئن تحول التلاعب بالنتائج الرياضية في تونس إلى حقيقة واقعة لا يختلف فيها إثنان، فإن الشبهات التي طالت عديد المباريات، لا تزال تحقيقاتها جارية إلى اليوم، دون أن يتم الكشف عن الحقيقة ومعرفة الأطراف المتورطة في "السرطان" التي ما انفك يفتك بكرة القدم التونسية.
تلاعب مكشــوف ورهان رياضي مفضوح
في وقت تسجل فيه نهاية المواسم الكروية في تونس سيناريوهات مماثلة، نتيجة المنافسة المحتدمة التي تمتد حتى آخر لحظة على ضمان البقاء أو الصعود حتى في أسفل الأقسام، زاد حجم التلاعب بشكل واضح وفاضح.
تاريخ 27 مارس 2021، يعتبر يوما غير مسبوق في تاريخ شبهات التلاعب بنتائج كرة القدم التونسية، حين تعادل فريقي مستقبل المحمدية والنجم الرادسي في الجولة قبل الأخيرة بالمرحلة الأولى من الرابطة المحترفة الثانية بنتيجة 7-7، في حصيلة قياسية للأهداف أثارت جدلًا واسعًا.
ولئن فتحت لجنة الأخلاقيات لدى الجامعة التونسية لكرة القدم تحقيقاً في الحادثة، واستمعت إلى طاقم التحكيم ومسؤولي الفريقين، فإنه لم يُصدر قراراً رسميًا حتى الآن.
وتحوم شبهات كبيرة حول تورط بعض اللاعبين من الفريقين، في رهانات غير مشروعة مرتبطة بالنتيجة النهائية للمباراة، في وقت تصدرت فيه مخلفات المواجهة عديد الفضائيات ووسائل الاعلام الرياضية العالمية، وأكد بعض المتراهنين في ذلك الوقت أنهم رصدوا صبيحة المباراة ارتفاعًا غريبًا لقيمة المرابيح على المباراة المذكورة وصلت إلى 40 ألف أورو.
وباتت تونس ضمن السجل الأسود في التلاعب وقضايا الرهان الرياضي، حيث كشفت وسائل إعلام فرنسية سنة 2014 تورط متراهنين تونسيين على مباريات اتحاد بن قردان وان التحقيقات الأولية أثبتت أن المرابيح تجاوزت 600 ألف دينار في ثلاث مباريات فقط كان الاتحاد الرياضي ببن قردان طرفًا فيها وهي النجم الرياضي الساحلي ومستقبل قابس ونجم المتلوي وهي المقابلة انطلقت في أعقابها التحريات.
ضرب التلاعب من جديد ملاعب كرة القدم التونسية حين تداول نشطاء التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في تونس وخارجها، مقطع فيديو يوثق الهدف الذي سجّله فريق أمل حمام سوسة في مرمى ترجي جرجيس في الدقيقة 101، هدف أنقذ حمام سوسة من الهبوط إلى الرابطة المحترفة الثانية، وتسبب في سقوط فريق نجم المتلوي الذي تعادل سلبا مع الأولمبي الباجي.
أثار هدف تعادل حمام سوسة وابلا من السخرية والتندر خاصة في علاقة بتعامل لاعبي ترجي جرجيس مع الهدف، كما أثار غضبا واسعا في نفس الوقت لما ألت إليه الأمور في علاقة بواقع كرة القدم التونسية.
دافع فريق ترجي جرجيس عن موقفه، معتبرا أنه لم يتلاعب بنتيجة المباراة والهدف جاء في سياق طبيعي لمجريات المواجهة، كما وجهت إدارة النادي تهما واسعة للجامعة التونسية لكرة القدم.
شبهة التلاعب طالت أيضا مباراة أمل جربة وجندوبة الرياضية، ضمن منافسات الجولة الأخيرة من المرحلة الأولى لبطولة الرابطة المحترفة الثانية هذا الموسم، والتي إنتهت بفوز جربة 3-2.
وكشفت الجامعة التونسية لكرة القدم عن أنها تلقى معلومات عن إمكانية مشاركة بعض الأطراف في التلاعب بنتيجة مباراة أمل جربة وجندوبة الرياضية، لغايات ربحية في مجال الرهان الرياضي.
وشهد الرهان الرياضي تطورا لافتا في السنوات الأخيرة، مما انعكس بشكل سلبي على مصداقية كرة القدم التونسية، في وقت أصبح قوت يومي لجزء كبير من الشباب التونسي.
سقوط الميثاق الر ياضي
لم يعد ما يدعو إلى الشك دخول الميثاق الرياضي في تونس مرحلة الذروة من حيث الانهيار والسقوط أخر عامين، لما تعيشه من واقع مر، رغم نجاحات المنتخب الأول، الذي يخفي ورائه فساد كبير على جميع المستويات وتلاعب فاضح حتى في الأقسام السفلى.
اثبات شبهات التلاعب وملفات الفساد قد يشمل عقوبات ضد الجامعة التونسية لكرة القدم، في حال اكتشفت لجنة الأخلاقيات بالفيفا تفشي ظاهرة التلاعب بالنتائج، في وقت هددت فيه وزارة الشباب والرياضة بحل الجامعة.
وأكد شكري حميدة مدير الشؤون القانونية والنزاعات بوزارة الشباب والرياضية أنّ سلطة الاشراف لن تتهاون في تطبيق القوانين، بما فيها الفصل 21 من قانون 95 المتعلق بحل الجامعات، اذا ما ثبت وجود تقصير في مسألة التعاطي مع شبهات التلاعب بالنتائج الرياضية.
وزير الشباب والرياضة، كمال دقيش، أشار إلى أن التلاعب بنتائج المباريات الرياضية في تونس يمثل خطراً على لوائح النزاهة والأخلاقيات الرياضية وهو يعد المحرك الأساسي للفساد الرياضي.
يرى عديد المتتبعين أن ظاهرة التلاعب بالنتائج في كرة القدم التونسية ليست وليدة اللحظة، بل هي ظاهرة موجودة منذ سنوات مضت، لكن وقع التستر عليها لسنوات طويلة، حتى تسببت في سقوط مدو للميثاق الرياضي، ببلوغ ذروتها.
المحلل والمحامي الأستاذ فتحي المولدي في حديثه عن ظاهرة التلاعب قال: "الكل يعلم أن العديد من المباريات لا تلعب على الميدان بل في الكواليس، وقد أصبحت اليوم ظاهرة علنية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام لكنها تفاقمت بشكل مفزع جدا رغم أن القوانين واضحة في هذا الصدد".
تراخي وتخاذل ولامبالاة الجامعة التونسية لكرة القدم في تعاطيها مع شبهات التلاعب والتستر عن مختلف المشاكل والأزمات مع شبهات الفساد التي وجهت لها، تسبب في انفلات كبير وأبان عن عدم قدرة المكتب الجامعي الحالي عن مجاراة الأزمة، في وقت أصبحت سياسة كيل بمكيالين هي الطاغية.