ما الذي يجب أن يعرفه المواطن التونسي عن هذا الاستفتاء؟
قبل أيّام قليلة من عرض الدّستور الجديد للاستفتاء في الخامس والعشرون من شهر جويلية القادم، وفي ظلّ لجنة لصياغة الدّستور صلاحياتها مقيّدة بإرادة رئاسة الجمهوريّة وطابعها انفراديًا ليس تعدّديًا، وفي ظل حالة من الرّفض للجنة والاستفتاء تؤكّدها إضرابات واحتجاجات في مختلف ولايات الجمهوريّة التّونسية.
في ظلّ كلّ هذه الظروف يظلّ التساؤل الأهمّ: كيف نعدّ المواطن التّونسي ليشارك بإيجابيّة في هذا الاستفتاء؟ ثمّ هل الوقت كاف لإعداده؟ ماهي المعارف والمعلومات التي يجب أن يكتسبها حتّى يكون قادرا على إدارة خياراته؟
الكثير من التّساؤلات وسط حالة من الغليان أو الأصحّ أن نطلق عليها تسمية "الحرب الباردة" بين السياسيين والحقوقيين ورئاسة الجمهوريّة التي تصرّ على أن يكون طابعها في اتخاذ القرارات انفراديًا وحكرًا على شخصيّات وطنية معيّنة.
للإجابة عن هذه الأسئلة، لا بدّ أوّلا من مقاربة تاريخية لتطوّر الدستور التونسي، وفهم أسباب مختلف التعديلات التي حصلت عبر التّاريخ لنفهم الدّوافع الحقيقيّة لهذا الاستفتاء.
غالبًا ما يكون مقياس التّنقيح مقترنًا بالانتخابات، فقد أخضع الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي الدستور التونسي لأكثر من تنقيح. فإن كان تنقيحه الأوّل قائمًا على حذف مبدأ الرئاسة مدى الحياة الذي وضعه الزعيم الحبيب بورقيبة، وإظهار هذا الأخير في صورة السياسي الجشع في التمسّك بالسلطة. فإنّ التنقيح الثاني الذي قام به كان يهدف من خلاله إلى توسعة أفق ممارسته للسّلطة ومنح نفسه شرعيّة المشاركة والترشّح لأكثر من دورة انتخابية. ليأتي التنقيح الثالث حين فكّر بمسألة العمر وضرورة أن يمدّد في فترة حكمه. فكلّ التنقيحات كانت استجابة لمصلحة مقترنة أساسًا بالانتخابات.
أمّا قيس سعيد فقد اعتمد أوّلًا على الفصل 80 لتجميد أشغال مجلس النواب، وثانيًا اعتمد على فصل آخر لحل المجلس، وبعد أن استنفذ كل الثّغرات في توظيف دستور 2014 خدمة لسياسته بدأ التفكير في دستور جديد، وبالفعل فقد أعلن عن إيقاف العمل بالدستور. ومن ثمّة أطلق لجنة صياغة الدّستور التي قدّمت مسودتها مؤخرًا إلى رئيس الجمهوريّة وسط أجواء مشحونة بالرفض التامّ لهذه اللجنة، وشكوك حول انتماءات وإمكاناتها في التصرّف في دستور من المتوقع أن يقدّم للاستفتاء الخامس والعشرون من شهر جويلية القادم.
في أيّ ظروف تكونت هذه اللجنة؟ ما هي ملامح الدّستور الجديد؟ وأي تأثير على المسار الدّيمقراطي؟ وهل أنّ خمس وعشرون يوم تكفي لتقرير مصير دستور جمهورية بأكملها؟
مسار تأسيس لجنة صياغة الدّستور إلى حين تسليم المسودّة؟
منذ إعلان نوايا تأسيس لجنة لصياغة الدستور الجديد والكثير من التساؤلات والجدال القائم أساسًا على الرّفض، ومع هذا لم يتراجع رئيس الجمهورية عن قراره وواصل العمل على خيار اللّجنة إلى حين إطلاقها ليلة 25 ماي 2022 قبل منتصف الليل. لتكون هذه اللّجنة سببًا في العديد من الإضرابات في أغلب ولايات الجمهورية وتعدّدت التحرّكات لرفض هذه المبادرة التي تعتبر مغامرة في حقّ الدّستور التونسي.
وما أجّج التحرّكات هو تعيين الدكتور الصادق بلعيد رئيسًا للجنة صياغة دستور جديد. وحاول بلعيد أن يكون وفيًّا لذات الخطاب الذي يقوم به رئيس الجمهورية غالبًا. فكلّ خطابات بلعيد في مختلف وسائل الإعلام الاذاعية أو التلفزية تقوم على الحدّة والتحدي. ونذكر أنّ من أوّل مرور إعلامي له كان بلعيد حادّ اللهجة وهو يتكلّم عن المنسحبين من اللجنة، فأكّد مضيّه مع مناصريه هذه اللجنة لإتمام التعديل، بغضّ النظر عمن يدعمه حتى أنّه مرة صرح أنّه العمل متواصل على التعديل، رغم تواصل الانسحابات والإضرابات.
تحديث: صدر مؤخرًا بعد كتابة هذه المادة تصريحًا من قبل بلعيد يوضح فيه موقفه المعترض على نص نسخة الدستور التي باشر بنشرها سعيّد يوم ٣٠ جوان.
كيف تفاعل التوّنسيون مع هذه اللجنة؟
لنبدأ مع احتجاجات 22 ماي 2022، التي رفعت شعارات رفض لهذه اللجنة لصياغة دستور جديد بعد دستور 2014، الذي كان قيس سعيد من بين الشخصيات الوط نية التي أبدت إعجابها بهذا الإنجاز. فاعتبر نجيب الشابي الاستفتاء "مسخ لأنّه منطلقة من استشارة إلكترونية لم يشارك فيها أكثر من 90 بالمائة من الشعب."
أما الحقوقية منى كريم فدوّنت :"ماذا لدينا في الأخير- عندنا أمر 117 الي هو مخالف للدستور اما موش مشكل خاطر هو أعلى من الدستور،- عندنا مرسوم عدد 30 الي هو مخالف لأمر 117 الي هو مخالف للدستور، عندنا الأمر متاع البارح في الليل الي نص على تركيبة اللجان والّي هو مخالف للمرسوم الي هو بيدو مخالف للأمر الي هو بيدو مخالف للدستور.، عندنا امر دعوة الناخبين الي هو بيدو مخالف للقانون الانتخابي.، بالطبيعة هذا الكل بعد الاطلاع على الدستور الي ماعادش فما.، انا في انتظار مرسوم يغلق كليات ومعاهد الحقوق ويحيلنا على التقاعد المبكر."
ودوّن القاضي حمادي رحماني، على صفحته في "فيسبوك"، قائلًا: "تكليف من لا يملك (سعيد) لمن لا يستحق (بلعيد)!"
واعتبرت حركة النّهضة في بيان لها / أن بعث لجنة جديدة لصياغة الدّستور هو خروج تامّ عن الشرعية الدستورية وتكريس لانقلاب 25 جويلية.
ولا يفوتنا مغادرة أمين عام حزب المحافظين التونسيين صبري الحفناوي السبت 18 جوان جلسة إعداد الدستور بقصر الضيافة بقرطاج، ليصرّح فيما بعد أنّه لم يغادر الجلسة وإنّما طرد منها بعد أن حاول تقديم مقترحات حزبه للدستور ورسالة لرئيس الجمهوريّة.
أمّا أستاذ القانون العام بكليّة الحقوق والعلوم السياسية بتونس فقد صرّح لأحد الصحف التّونسية: "إن النظام السياسي المرتقب وفق منظومة الشعب يريد، سيكون نظامًا رئاسويًّا يحتكر فيه رئيس الجمهورية كافة الصلاحيات، أي نظام رئاسي ينحرف به نحو الدكتاتوريّة."
حالة من الغليان السياسي في تونس يتم خلالها تبادل موازين القوى في أجواء "مشهديّة" لا يمكن اعتبارها عاكسة للدّيمقراطية، لأنّ ما يحصل من قرارات وإجراءات تصدر عن الشخص الواحد، وهو نفسه الحاكم والمتمتّع بالسلطات الثلاثة، وهو رئيس الجمهوريّة قيس سعيد الذي بات من الواضح أنّه لا يثق سياسيًّا، إلا فيمن تتلمذ عندهم كالصادق بلعيد أو فيمن تتلمذوا عنده.
لقد صار الحراك السياسي ومصير البلاد مرتهنًا في مجموعة من الشخصيات الوطنية، الرابط بينها هو التشابه حدّ التماهي الفكري، وهذا يمثّل خطورة في حدّ ذاته على مستقبل البلاد: فكيف يبنى قرارًا وطنيًا في دائرات مضيقة، الرابط الوحيد بينها هو التشابه على مستوى الأفكار والميولات وحصرها في جيل واحد مخضرم من السياسيين.
ولو قدّمنا صورة كاريكاتوريّة لما يحصل في تونس اليوم فستكون صورة عملاقة لأب هي صورة رئيس الجمهورية قيس سعيد وصورة أبناءه، وهو الشعب التونسي بكلّ مركباته ومكوناته والكلّ يقبع في نفس الخط تحت أنظار الأب المراقب والوحيد الجدير بإصدار قرارات.