ما هي ملامح الدّستور الجديد؟
كان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد صرّح وهو يتسلّم مسودّة الدستور بداية الأسبوع الفارط، أنّ "الدّستور القادم لتونس لن يعتبر الإسلام دين الدولة، ولكن (الدولة) تنتمي إلى أمة دينها الإسلام". وهو ما سبق وأكّده صادق بلعيد -الرئيس المنسّق للهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة ورئيس لجنة صياغة الدستور- حول حذفه أيّ إشارة للإسلام في الوثيقة الجديدة للدّستور.
وفي حديث سابق له أكد الصادق بلعيد أنّ رئيس الدولة: “هو من يختار رئيس هيئة الانتخابات وهو من يعيّنه، وفي حال فشله في حسن الاختيار، بإمكانه تعيين شخص ثان، وفي صورة عدم نجاحه للمرة الثانية في اختيار الشخصية المناسبة لرئاسة الهيئة المحكمة، يتخلى رئيس الجمهورية عن منصبه ويغادر الحكم، وفق تعبيره." وأكدّ أن البرلمان سيحافظ على دوره التشريعي، أما عن دور الرئيس فاعتبره أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية. وقال بلعيد أنه سيتم إلغاء الهيئات التي تمّ إحداثها سابقًا، ونزع عن الدّولة مفهوم الدولة الراعية المهيمنة ليكون دورها أساسًا استشرافيًا. بالفعل تمّ نشر الدستور على الشعب ثلاثون جوان على أن يتمّ الاستفتاء يوم 25 جويلية القادم.
ما الذي يجب أن يعرفه المواطن عن الاستفتاء؟
على المواطن أن يكون واعيًا بمحدوديّة الفترة الزمنيّة التي سيمسح له فيها بالإطّلاع على الدستور الجديد، وهي الفترة الفاصلة بين تاريخ إطلاق الدّستور (30 جوان) وتاريخ الاستفتاء -والتي لا تتعدّى الخمس وعشرون يومًا. وبناء على ذلك، لابدّ أن يبادر المواطن بجمع المعلومات الكافية التي تمكّنه من إدراك بعض المفاهيم الدستوريّة، مثلما عليه أن يفهم الفوارق بين مختلف الأنظمة: بين النظام البرلماني والنّظام الرئاسي، وأن يكون لديه زادًا معر فيًّا يسهّل عمليّة قراءته وفهمه للفصول القانونيّة.
ولابدّ أن يكون المواطن مطّلعًا على دستور 2014 حتّى يعرف الخيار الصائب، ولا بدّ أن تكون له القدرة على الإجابة على هذا السّؤال: هل حافظ الدّستور الجديد على مكاسب دستور 2014 من حيث أهمية الحقوق والحرّيات؟ بالإضافة إلى ضرورة فهم تركيبة اللّجنة وأبعادها والمتابعة الجيدة للحراك السّياسي حتى يستطيع أن يكوّن زادًا معرفيّا هاماّ يخوّل له قراءة واستقراء ما يحصل والتحرّك بإيجابية وعن وعي.
أيّ تأثير للاستفتاء على المسار الدّيمقراطي؟
من قرأ كتاب "الجمهورية" لأفلاطون لن تغيب عنه قصّة إعدام أرسطو من قبل الدّيمقراطيون في أثينا، ومن هذا المنطلق حمّل أفلاطون مسؤولية موت سقراط للديمقراطية.
ويشرح أفلاطون تصوّره عن الدّيمقراطية قائلًا أنّ الديمقراطية التي تقوم على تشريك الرعاع من خلال أشكال الاستفتاء، هي الديمقراطية التي تسمح لمن هم بلا خبرة ولا دراية فكريّة أو علمية للتدخل فيما لا يستطيعون التحكيم فيه، وهذا له من الخطورة البالغة على مستقبل أي دولة.
ولو طبقّنا ما قاله أفلاطون على تونس ونحن قادمون على استفتاء قريبًا، فالسؤال الذي يقفز إلى الذّهن أوّلًا: ما هي المهارات التي تخوّل لمواطن عادي قراءة الدّستور والحكم عليه؟ أ لن يكون هناك تأثير لانتماءات سياسية؟ ألن يتم استخدام المواطنين وتوجيه خياراتهم كالعادة؟
إنّ الشعب الذي انتخب أعضاء مجلس النواب سابقًا، وقد تذمّر الجميع من بطاقاته الانتخابية هو نفس الشعب الذي سيقوم بالاستفتاء. ألم يتمّ حل مجلس النواب لأسباب منها: عدم توفر الكفاءات التي كانت عاجزة في إدارة النقاش العام حول شؤون البلاد، وحلحلة القضايا من خلال التشاور حولها وإصدار التشريعات المناسبة؟
ألن تحكم الأهواء الاختيارات؟ قد يبدو شعبويًا ما أنا بصدد كتابته، لكن لنستخدم المنطق قليلًا: من سيشرح الدستور الجديد للمواطنين؟ ثم هل أن فصول القانون خالية من التعقيدات التركيبية والبلاغية واللغوية حتّى يدركها عامّة الشعب ويحكّمها؟ أليس القانون هو بلاغة ومجاز أيضًا، وفيه من الثغرات والتعقيدات التركيبية ما لا يمكن لمواطن عادي أن يفهمه؟
كأنّنا نرى شكلًا آخر من أشكال الاستبداد بتشريك عامّة الشعب، وكأنّ بالشعب عن دون قصد يتآمر على نفسه، فلم يتمّ إعداده أو توعيته حتى يكون مستعدًّا لتقبّل الدّستور الجديدة والقدرة على الاستفتاء. وهو ما لم يمكن تحقيقه دون تشخيص واقع البلاد وترتيب أولوياته. وهو ما لا يمكن ضمانه داخل المجتمع الذي يتنكّر للبحوث العلميّة ولدور المختصين من علماء الاجتماع وخبراء الاقتصاد والمفكّرين في هذه المرحلة الحرجة.
إنّنا لا نناقش الدور الهامّ للإرادة الشعبية ومركزيّتها داخل العمليّة الديمقراطية، ولكن نناقش الكيفية التي يتم بها استخدام هذه الإرادة الشعبية، ونعتقد أنّه قبل الوصول إلى هذه المرحلة، لابد من مؤسّسات تربويّة وثقافية واجتماعية قادرة على بناء هذه الإرادة الشعبية على أسس سليمة. ومن يستطيع اليوم أن ينكر أنّنا نعاني لسنوات ما بعد الثورة من بقايا نظام بن علي في تفقيره الفكري للشعب من خلال الهشاشة التي أصبح عليها التعليم والثقافة أساسًا.
نعتقد قبل التفكير في وضع استفتاء وتعديل الدستور، لابد فهم أي ديمقراطية وبأي شكل وعن أي شعب نتكلم، وكيف ندفع بهذا الشعب لتكون له إرادته الحرّ ة فعلًا وكيف يلعب الإعلام دوره في ذلك؟ ولا أحد يخفى عليه اليوم الوضعيّة التي أصبحت عليها المؤسسات الإعلاميّة التونسية بين قنوات غالبية بثّها مزادًا علنيًا، وقنوات تخدم رئيس الجمهورية بشكل مكشوف وقنوات مصادرة وصحف أغلق أغلبها بسبب العجز والبقية تحتضر.
فكيف سيكون هذا الشعب واعيًا بإرادته الحرة ودورها وقادرًا على الاستفتاء وسط تصحّر تربوي فكري ثقافي وسياسيّ؟ عن أي استفتاء نتكلّم؟