ثقافة
13.09.23

ممنوع  على أصحاب "النّافورة": هل  يكون الذكاء الاصطناعي دونهنّ؟

هل  يكون الذكاء الاصطناعي دونهنّ؟

ربّما  في تونس كمجتمعٍ نامٍ ما زال الطرح الجندري مقترنًا بالمرأة في قضاياها التقليدية، والتي حسم فيها في السابق بداية من الطّاهر الحداد إلى مجلّة الأحوال الشخصية في منتصف الخمسينات. فعلى المستوى العالمي وخلال العشريّة الأخيرة –وهي متواصلة إلى اليوم– تتّجه البحوث إلى طرح قضيّة الجندر في سياق الثورة الصناعية الرّابعة، ويذهب بعضها إلى أن الذكاء الاصطناعي قد يؤثر سلبًا على المرأة، وحتى الاتجاهات التي ترى عكس ذلك فبنسبة ضئيلة جدًا.

خصوصية الطرح الجندري لقضايا المرأة في تونس:

في تونس ورغم أهمية البحوث والجهود العلمية في مجال الجندر واشتغال الجامعات التونسية على ذلك، إلاّ أنّ الإشكالية تكمن في أنّ بعض أصحاب القرار يعيشون في عالم "معزول" في قطيعة مع البحث العلمي، وربّما الدليل على ذلك استخدام  كلمة النافورة لتشبيه المرأة التونسية بها. فنعتقد لو أنّه تمّ اللّجوء إلى باحث متخصص في مجال الجندر، أو أكاديمي، أو مترجم،  أو كائن علميّ لما وقع مثل ذلك الخطأ أو "الجريمة" في حقّ المرأة. وتقريبًا وحسب محركات البحث فإنه ما عدا أصحاب الفكرة، فتتفق معنا الأغلبية على أنّها جريمة. وبالنسبة للاستسهال والجرأة على استخدام هذا التشبيه فذلك أيضًا يحمل دلالة أخرى وهي النظرة الدّونية التقزيمية للمرأة، حتى أنه يتم المجازفة ووضع التوصيفات دون البحث فيها والتركيز عليها مسبقًا. فلا يمكن ألّا نشكّك في "ارتجالية" المصطلح ووضعه الساعات الأخيرة. فالتمثلات الاجتماعية لقضية المرأة لا تتعدّى حدود التعامل معها كصورة "استعراضية" و"مشهدية" حول مدى التحرر والنجاح الذي بلغته، وكلّه في إطار مفاهيم تقليدية كلاسيكية مثل: "المرأة نصف المجتمع" و"وراء كلّ رجل ناجح امرأة"...وهي معايير مجتمعية تحتاج المراجعة والتنصّل منها أمام ثورة صناعية تتعامل مع الجميع كعنوان IP.

طرح قضية المرأة في علاقة بالذكاء الاصطناعي:

صحيح أننا كمجتمع ثالث لم نحلّ بعد قضايا كلاسيكية وتقليدية بعد في علاقة بالمرأة والجندر، ولكن لا يمكن أن نتغاضى عن قضايا أساسية في السياق العالمي الجديد. وفي محاولة منّا لتشخيص خصوصية هذا الطرح فيمكن اختزاله في اتجاهين وهما كالتّالي:

1-   اتجاه أول يرى أنه لم يعد من المهم الاشتغال على المساواة بين المرأة والرّجل على اعتبار أن الهوية التقنية للإنسان لا تعترف برجل وامرأة، وإنّما تتعامل مع الجميع -سواء رجل أو امرأة- على أنهم عنوان «آي پي» ”IP Address“...وبالتالي سيقضي الذّكاء الاصطناعي على التمييز بين الجنسين.

2-   اتجاه ثانٍ يدعو إلى ضرورة انخراط المرأة في المنظومة التشغيلية في مجال التكنولوجيا حتى تكون مشرفة ومقرّرة وفاعلة في التكنولوجيات الحديثة، بحيث تضمن لنفسها عدم استخدام الذكاء الاصطناعي من خلال الخوارزميات في تكريس التمييز ضد المرأة. 

"لا للذكاء الاصطناعي بدونهن!"
في ذات السياق خيّرنا الاعتماد على مرجع أساسي على اعتبار أنّه يطرح القضية في إطار علمي من خلال أحد الكتب المهمة في هذا المجال، وهنا نتحدّث عن لقاء منشور على موقع اليونسكو بتاريخ 3 مارس 2020، تلتقي فيه أنياس باردون بالباحثتين بارنهايم وفلورا فانسان للحديث عن كتابهن الشهير: "لا للذكاء الاصطناعي بدونهن!" وسنحاول التوقّف عند أبرز الأفكار للباحثتين التي تؤّكد الدور المستقبلي للذكاء الاصطناعي في تأصيل التمييز ضدّ المرأة إن لم يتمّ تدارك ذلك ببعض الحلول.

  • مكمن الأزمة:
    في إجابة عن سؤال باردون، حول إمكانيات الذكاء الاصطناعي في تأصيل التمييز ضد المرأة تقول إحدى الباحثتين:
    "القوالب النمطية التي تحملها الخوارزميات في طيّاتها يُمكن أن يكون لها أثر سلبي عند فرز الترشيحات –باستبعاد النساء، مسبقًا، من المناصب التقنية– أو عند تقديم المقترحات الخاصة بالأجور، أو حتى بمناسبة القيام بالتشخيصات الطبية. كلما ازداد عدد النساء في الفريق، ازداد احتمال مراعاة مسألة النّوع في الدراسة ذاتها."

وتسأل المحاورة: هل كانت الإعلامية، منذ نشأتها، مادة تغلب عليها الذكورية؟ فتجيب بارنهايم:
"لم تكن دائمًا كذلك (...) ولكن في الواقع، حدث تغيير كبير في الثمانينات مع ظهور الحاسوب الشخصي (..) ظهر في تلك السنوات بُعْدٌ آخرَ تمثّل في برمجيات الألعاب التي أسهمت في تطوير مخيال ثقافي ذكوري مفرط أنتج شخصية المهووس. وقد صاحب هذه الحركة المزدوجة تهميش المرأة، وهو ما يدلّ على أن ميل الأولاد إلى الحاسوب لم يكن لأسباب طبيعيّة بقدر ما هو بناء ثقافي." وهو ما يعني "المعاملة التفاضلية لبعض الخوارزميات." 

  • الحلول:

وتقترح الباحثتان في هذا السياق، أي سياق المعاملة التفاضلية للخوارزميات، الحلول التالية لتحقيق المساواة بين الجنسين:

الصبغة الشمولية لقواعد البيانات حتى تكون ممثلة للسكان في تنوعهم بمعنى: "ضرورة إضفاء الشفافية على الخوارزميات. بعض الباحثين، من أمثال جوي بيولامويني، دعا إلى تطوير مدوّنة تقوم على نبذ التحيّز وتعميمها، أسوة بالكتابة المجرّدة من الميول الجندرية. ومن بين المبادرات القائمة اليوم، نشير إلى العمل الذي تقوم به مجموعة «داتا فور غود» التي تفكر في سُبُل وضع الخوارزمية في خدمة المصلحة العامة. ولقد قامت هذه المجموعة بصياغة ميثاق أخلاقيّ يُعرف بـ «قَسَمُ أبقراط لعلماء البيانات» والذي وضع قائمة في عدد من المعايير الملموسة التي يجب التثبّت منها قبل تطبيق أيّ خوارزمية ضمانًا لعدم وجود تمييز فيها. ومن المهم دعم مثل هذه المبادرات." 

نخلص من ذلك إلى أنّ المجتمعات التي ما زالت تمثّلاتها الاجتماعية لقضية الجندر غارقة في النمطية والمعيارية، قد تجاوزها الزمن، ولم يعد مسموحًا لها التّخلف أكثر عن الركب، حتى ولو أنّ سياق التخلّف الاقتصادي والاجتماعي يفترض أننا كمجتمعات نامية ما زلنا في حاجة إلى مناقشة مسائل "بدائية". ولكن أيضًا يجب أن ننتبه أنّ الانخراط في سياق العولمة والتكنولوجيات ليس خيارًا، بل إلزام. فمن الضروري الموازنة بين خصوصية الجندر في إطار السياق المجتمعي في دول نامية، وخصوصية الجندر في إطار قضية عالمية مرتبطة بالذكاء الاصطناعي…هذا الاختراع البشري الذي قد يسوس البشر إذا لم يحسن التحكم فيه.

مقالات ذات صلة