نجح النجم السنغالي، ساديو ماني، في الحصول على جائزة أفضل لاعب أفريقي للمرة الثانية على التوالي. بعد أن كتب تاريخًا غير مسبوق لمنتخب بلاده، بأن توج بلقب كأس أمم أفريقيا لأول مرة مع منتخب أسود التيرانغا وقاده إلى كأس العالم قطر 2022. في وقت واصل فيه عروضه الباهرة في ملاعب أوروبا مع ليفربول الإنجليزي وبايرن مينويخ الألماني.
ساديو ماني هو مثال للاعب الأفريقي الذي تحدى الصعاب والفقر، وشق طريقه بثبات، خطوة خطوة نحو العالمية، ولم تؤثر نجوميته وشهرته، على تواضعه وبساطته. فأضحى إنموذجًا فريدًا في تاريخ كرة القدم الأفريقية، حيث لفت الأنظار بإنسانيته ومواقفه الراسخة، ليؤسس لمفهوم اللاعب الإنسان، ويلقبه الجميع بـ "نصير الفقراء".
بحذاء ممزق أصبح نجم أفريقيا
نشأ ساديو ماني في قرية صغيرة بالسنغال حيث بلدة بامبالي الفقيرة التي تبعد 400 كلم عن العاصمة داكار، وكان والده يعمل إمامًا لمسجد القرية. وعاش أغلب فترات طفولته مع عمه بسبب الظروف المالية الصعبة لوالديه.
وجد ماني في بداية خطواته معارضة شديدة من طرف عائلته، لفكرة لعبه لكرة القدم، حيث كانت الأولوية هي الدراسة. لكن ماني نجح رفقة عمه في إقناع العائلة بقدراته وموهبته، فقام أبوه وعمه وأصدقائه ببيع كافة المحاصيل التي تنتجها مزارعهم من أجل توفير المال لسفر ساديو إلى العاصمة السنغالية داكار.
سافر ساديو ماني لإجراء اختبار فني وبدني مع أكاديمية جينراسيون فوت -حديثة النشأة آنذاك، قبل أن تتحول إلى نموذج فريد داخل القارة السمراء-، وحمل ماني معه حذاء ممزقًا لا يصلح لمساعدته على إجراء الاختبارات، ليشارك مع مجموعة تضم أكثر من 300 موهبة من كامل أنحاء السنغال. تمكن ماني من الالتحاق بأكاديمية جينراسيون فوت، من ثم خطف أنظار نادي ميتز الفرنسي المرتبط بعقد طويل المدى مع الفريق للظفر بأبرز المواهب. وأصبح نادي جينراسيون فوت فريقًا رائدًا في السنغال وفي أفريقيا عامة. وقد أسسه مادي توري، وتخصص بشكل أساسي في اكتشاف المواهب الأفريقية.
تدرج ساديو ماني في الأصناف الشابة لنادي ميتز. ولئن لم يبرز مع قطاع الناشئين، فقد نجح مع تصعيده للفريق الأول في موسم 2011-2012 في خطف الأضواء والتألق. وإنتقل على إثرها إلى ريد بول سالسبورغ النمساوي في صفقة بلغت قيمتها 4 ملايين يورو ليصبح ثالث أغلى لاعب يتم بيعه في تاريخ النادي الفرنسي.
نجح ساديو ماني في ترك بصمته مع ريد بول سالسبورغ، حين توج معه بلقبي الدوري والكأس المحليتين، لينتقل بعدها إلى الدوري الإنجليزي الممتاز من بوابة نادي ساوثهامبتون الإنجليزي.
وفي صيف 2016 انتقل ساديو ماني إلى صفوف ليفربول في صفقة بلغت قيمتها 41 مليون يورو، ليشق على إثرها عالم الشهرة والنج ومية، ويبدأ رحلة التألق والإبداع في ملاعب البريميرليغ. حقق اللاعب كل الألقاب الممكنة مع النادي الإنجليزي العريق محليًا وأوروبيًا وعالميًا، خلال مسيرته مع الريدز التي دامت لـ6 أعوام. وعرف قائد منتخب السنغال أوج مستواه مع المدرب الألماني يورغن كلوب الذي كان من أشد المعجبين بأيقونة السنغال.
صرح كلوب حول ماني قائلًا: "ساديو مانى إنه مثل الماكينة، لقد أبلغته بذلك، إنه لاعب مذهل، يتمتع بحالة بدنية قوية، يملك مزيجًا من القدرة الفنية والبدنية والرغبة، إنه لاعب رائع من طراز عالمى".
في لحظة فارقة، انتقل ماني إلى بايرن ميونيخ في تحد جديد، ونجح في أن يحقق انطلاقة قوية بحصوله على لقب كأس السوبر الألماني، بفوزه على لايبزغ بنتيجة 5-3، بينها هدف لوافده الجديد السنغالي ساديو ماني.
مانـي: مجد وتواضع وإنسانية شاهقة
بلغ المهاجم السنغالي، ساديو ماني، شهرة لا نظير لها، ليس فقط لقمة مستواه وأدائه، وإنما لرفعة إنسانيته وتواضعه، حيث وضع دائمًا أهل بلده وقريته في مقدمة اهتماماته وهو في قمة المجد. ودأب ساديو ماني على التكفل بالعديد من المشاريع الإنسانية في بلاده، وصار يخصص مساعدات دورية وقارة للعديد من العائل ات الفقيرة.
صرح ماني متحدثًا عن أهل بلدته: "هم دائمًا يساندونني من خلال دعائهم لي، قررت ألا أنساهم، ربما من خلال المساعدة التي اقدمها لهم يستطيع بعض الشباب أن يكسبوا معيشتهم، وأنا متأكد أنهم مع مرور الوقت سيكونون ناجحين، وسيستمرون من حيث توقفت أنا".
وتابع قائلًا: "أتمنى لو كنت يوما مسؤولا حكوميا في السنغال، كنت سأقوم بالكثير من العمل من أجلهم، أتمنى لهم الخير، ودائمًا سأعمل من أجل مساندتهم ومساعدة بلادي على تخطي الصعاب".
قام ماني بالتبرع بـ250 ألف يورو للمساعدة في بناء مدرسة ببلاده، وقام بدفع 500 ألف يورو لبناء مستشفى في قريته بامبالي. وأسهم هداف أسود التيرانغا في بناء محطة وقود ومكتب بريد، لتسهيل الحياة على مواطني القرية. فلم يتخلى ساديو ماني على أبناء قريته وبلده أثناء تفشي فيروس كورونا، حيث بتبرع بعشرات الآلاف من الدولارات، لمساعدة المصابين والمتضررين ماديا. وساهم ماني في تجهيز المستشفيات بالأجهزة والمستلزمات اللازمة.
كما تبرع ماني بجهاز حاسوب لكل طالب وطالبة في قريته بامبالي، بالإضافة إلى مبلغ يُقدر بقرابة الـ400 يورو مع مستفيد من الجهاز، استكمالًا لأعماله الخيرية.
قفز ماني بقريته "بامبالي" من المجهول إلى الأضواء، وجعلها محظ أنظار الجميع، حيث قام بتنظيم مباراة احتفالية بمشاركة نجوم الكرة السنغالية يتقدمهم الحاج ضيوف الذي يعد أحد صناع ملحمة كأس العالم كوريا الجنوبية واليابان 2002، وسط حضور غفير لسكان القرية، حيث أقيمت المباراة في أجواء ممطرة وملعب موحل بالطين، وهو الملعب الذي نشأ به الهداف التاريخي للمنتخب السنغالي.
وصفت صحيفة "صن" البريطانية ساديو ماني باللاعب الأكثر تواضعًا في العالم بعد الفيديو الذي انتشر بقوة في منصات التواصل الاجتماعي، حيث ظهر فيه وهو يساعد أحد العاملين بمنتخب السنغال في حمل زجاجات المياه إلى الملعب، قبل مباراة أسود التيرانغا أمام الكونغو بتصفيات كأس أمم أفريقيا 2021.
من المواقف الإنسانية الأخرى لماني، أن دخل مسجدًا في مدينة ليفربول، وقام على الفور بتنظيف دورات المياه، مما أثار تساؤلًا فى الصحف الإنجليزية وهو: ما الذي يدفع لاعبًا يحصل على راتبًا يقدر بـ100 ألف جنيه إسترليني لفعل ذلك الأمر؟
يقول ساديو ماني في أشهر تصريحاته: "لماذا أحتاج لعشر سيارات من طراز فيراري، وعشرين ساعة من الألماس، وطائرتين؟ ماذا ستفعل هذه الأشياء بالنسبة لي والعالم بأسره؟ لقد عانيت من الجوع، واشتغلت في الحقول الزراعية، ولعبت كرة القدم حافي القدمين، ولم أذهب إلى المدرسة.. لدي اليوم فرصة لمساعدة الناس.. لقد بنينا المدارس والملاعب، ونوفر الملابس والأحذية والطعام للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، وأنا أفضل أن يحصل أصدقائي ومواطني بلادي على القليل مما أملك".
هكذا تبدو قصة فخر أفريقيا ساديو ماني، الذي انتشل قريته وأهل بلده في السنغال، من الفقر والخصاصة، وجعل نفسه نموذجًا فريدًا في تاريخ نجوم القارة الأفريقية، مؤسسا لمفهوم "اللاعب الإنسان"، ومحققًا شعبية و حبًا منقطعا النظير لدى عشاق الساحرة المستديرة في كل أصقاع العالم، لإنسانيته وتواضعه اللامحدود، وتقاسم ثروته وشهرته مع الجميع.