منوعات
25.05.22

استفتاء وانتخابات على الأبواب في ظل غياب دستور وقانون انتخابي

تفصل تونس عن موعد تنظيم الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها سبعة أشهر فقط، لكن البلاد تبدو سائرة في درب محفوف بالكثير من الضبابية والغموض مردها السياق السياسي والقانوني الحالي.

العمل بالدستور مجمّد في تونس، وبدلاً من ذلك تسيّر أجزاء هامة من شؤون البلاد لا سيما فيما يتعلق بالمجالات السياسية بموجب مراسيم رئاسية. كما أن القانون الانتخابي الجديد لم تجر صياغته بعد ولا أحد يعرف ما سيكون محتواه، باستثناء بعض الأفكار المتناثرة الصادرة حيناً عن رئيس الدولة وأحياناً عن أنصاره أو عن المراقبين للشأن السياسي في البلاد.

وأراد سعيد هذه المراسيم، التي يصدرها بين الحين والآخر وكلما اقتضى الأمر، بديلاً عن دستور البلاد الذي يعتبر أن فيه الكثير من المطبات المنجزة على قياس من صاغوا الدستور في العام 2014 لحماية مصالحهم على حد قوله.

وأعلن سعيد، نهاية العام الماضي، أن موعد الانتخابات التشريعية سيكون يوم 17 ديسمبر 2022، ضمن خارطة طريق شملت أهم المواعيد المنظمة لمسار كامل دشنه بتجميد البرلمان منتصف العام الماضي.

وكانت انتقادات سعيّد المتكرّرة لأداء هيئة الانتخابات بمثابة تمهيد لتغيير تركيبتها، وهو ما حدث يوم 9 ماي الحالي. وجاءت التركيبة الجديدة بعد أكثر من شهر على إصدار سعيّد لمرسوم يقضي بتعديل قانون هيئة الانتخابات وينص على استبدال أعضائها التسعة بسبعة جدد يعيّن سعيّد أغلبهم فيما يقترح 3 قضاة من قبل المجلس الأعلى للقضاء، الذي بدوره غير سعيّد تركيبته في وقت سابق هذا العام.

وفيما يتعلق بالقانون الانتخابي، فلطالما كان محل انتقاد من سعيّد. لكن الرئيس التونسي ليس الوحيد الذي كانت له تحفظات على هذا القانون والنظام الذي أرساه، فكثيرون- حتى من معارضيه- يشاركونه نفس الموقف ويعتبرون القانون من أبرز أسباب أزمات تونس السياسية.

ورغم ذلك، يقول الخبراء والمتابعون إن مشكلة تونس ليست في طبيعة نظام الاقتراع بقدر ما تتعلق بكيفية تدبير الأوضاع سياسيا. ويعارض هؤلاء تغيير القوانين المتعلقة بتنظيم الانتخابات بموجب مراسيم رئاسية ويرون فيها انتهاكا للدستور وانحيازا واضحا من الرئيس لرؤيته السياسية وتفردا بالرأي من قبله.

ويتجه قيس سعيد إلى إلغاء نظام التصويت على القوائم في الانتخابات التشريعية واستبداله بتصويت على الأفراد، بالإضافة إلى تنظيم هذه الانتخابات على دورتين وعلى قاعدة مخرجات الاستشارة الوطنية، بحسب تصريحات نقلتها عنه وكالة تونس إفريقيا للأنباء.

ونظمت تونس استشارة وطنية إلكترونية، بإرادة ومبادرة رئاسية، تطرقت إلى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وستكون نتائج هذه الاستشارة قاعدة لاستفتاء الشعب على تعديل الدستور وقانون الانتخابات، وحدّد يوم 25 جويلية 2022 موعدا لتنظيم الاستفتاء.

ووفق الإحصائيات الرسمية فقد شارك في الاستشارة الوطنية حوالي 535 ألف تونسي من جملة 12 مليون ساكن، فيما يضم السجل الانتخابي أكثر من 7 ملايين ناخب. لكن ضعف عدد المشاركين لم يمنع السلطة من التأكيد على نجاح هذه الاستشارة.

وتستنكر الأوساط السياسية ومكونات المجتمع المدني الأبرز على غرار الاتحاد العام التونسي للشغل عدم تشريكها في النقاشات والحوارات التي تتعلق بالتعديلات الدستورية أو تلك التي تبحث عن حل للخروج من الأزمة السياسية.

وربما كان الرئيس التونسي يتوقّع أن تخف الهجمات ضده وأن تهدأ الأجواء المضطربة على الساحة السياسية عندما نشر الجمعة الماضي مرسوم تأسيس "الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" في الرائد الرسمي.

لكن هذا الإعلان الجديد زاد من حدة التوتر السياسي الذي تعيشه تونس ولم يستطع تبديد الغموض المخيم على المشهد، فهذه الهيئة أصبحت محوراً آخر مثيراً للمزيد من الضبابية فيما يتعلق بالمسارات السياسية وبالتالي المزيد من الانتقادات للرئيس.

وما استفز المزيد من الانتقاد والمعارضة لسعيّد هو تركيبة هذه الهيئة- التي ستنظر في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعديلات الدستورية والحوار الوطني- والمقترحة من قبله دون طرح الأمر على المعنيين به، وهو ما قابله البعض بالرفض كالاتحاد العام التونسي للشغل الذي قال إنه لن يقبل المشاركة في الحوار الوطني بصيغته الحالية المعدّة مسبقا من قيس سعيد.

بدورهم، عمداء كليات القانون رفضوا عضوية لجنة التعديلات الدستورية وفضلوا "النأي بالجامعة عن الشأن السياسي". وقبلهم، أكد عدد من أساتذة الجامعة أنهم "يستنكرون هذا الأسلوب المسقط في اختيار أعضاء اللجنة بعيدا عن كل تشاور وتحاور وطني واسع وحقيقي".

وينص الفصل 50 من القانون الانتخابي على أنه "تفتتح الحملة الانتخابية أو حملة الاستفتاء قبل يوم الاقتراع باثنين وعشرين يوما، وتسبقها مرحلة ما قبل الحملة الانتخابية أو ما قبل حملة الاستفتاء، وتمتد لثلاثة أشهر." لكن قبل حوالي شهرين من موعد الاستفتاء المرتقب، لا يعلم التونسيون شيئاً عن محتواه، سوى بعض التصريحات المتفرقة الواردة على لسان الرئيس في مناسبات مختلفة أو على لسان أنصاره أو أعضاء من حملته التفسيرية أو تخمينات لمحللين سياسيين ومتابعين للشأن العام في البلاد. وأيضاً قبل حوالي شهرين من الاستفتاء وسبعة أشهر من الانتخابات التشريعية يلف الغموض أكثر الشأن السياسي في تونس، وتبدو الأسئلة التي تدور في ذهن التونسيين أكثر من الأجوبة والتي بالكاد توجد.

وقال أمين محفوظ أستاذ القانون الدستوري، في تصريح سابق لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، إنّه "لا بدّ من إعداد نصّ قانوني جديد ينظم استفتاء 25 جويلية 2022 من حيث آجال دعوة الناخبين والحملة الانتخابية لضمان المساواة والشفافية، مع تضمينه كذلك إجابات لمآل الاستفتاء في صورة قبول النص أو رفضه". وبدأ مجلس هيئة الانتخابات بتركيبته الجديدة اجتماعاته، والتي يبدو أن الخلافات في وجهات النظر قد طغت عليها، خاصة فيما يتعلق بمرسوم تعديل قانون الهيئة وتركيبة الهيئات الفرعية وآجال تسجيل الناخبين.

وانتقد سامي بن سلامة، عضو الهيئة مقترح رزنامة الاستفتاء والذي أعده "شخص أجنبي على الهيئة" بحسب وصفه، لا سيما لأنها تحدّد مدة 10 أيام لتسجيل الناخبين واصفا إياها بالمدة "غير المنطقية" حيث قال إنها ستقصي أكثر من 3 ملايين تونسي من ممارسة حقهم في المشاركة في الاستفتاء وفي الانتخابات التشريعية القادمين.

سامي بن سلامة، عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات

ضيق الوقت أيضاً فيما يتعلق بتنظيم الاستحقاقات القادمة، هو ما أشارت إليه الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري في بيان أصدرته الاثنين وورد فيه "إن مراقبة تغطية الاستفتاء والانتخابات في وسائل الإعلام السمعي البصري تتطلب من الهيئة استعدادات استثنائية في ما يتعلق بتأمين عملية الرصد والمتابعة، وكذلك الحد الأدنى من الوقت للتنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة".

وتتواتر الأسئلة في أذهان  العديد من التونسيين، تختلف طبقاتهم وانتماءاتهم وخلفياتهم الثقافية والسياسية، وعلى رأسها: كيف ننظم استفتاء وانتخابات في غياب دستور وقانون انتخابي؟ أليس من الأجدر تهيئة الأرضية التشريعية المناسبة قبل المضي قدما في تحديد مواعيد استحقاقات وطنية بهذه الأهمية؟ وكيف سيكون شكل التعديلات التي سيتم إدخالها على الدستور والقانون الانتخابي والتي تمت صياغتها وفق رؤية محدّدة بشكل مسبق؟ مع من يتحاور الرئيس بشأن مستقبل البلاد السياسي؟ كف سيتجاوز سعيّد عقبة الرافضين المشاركة في الهيئة الاستشارية التي أعلن عنها مؤخرا؟ ما أهمية هذه الهيئة إذا كان دورها استشاريا فقط غير ملزم للرئيس؟ هل ستتمكن البلاد في ظل الوضع الراهن من الالتزام بتنظيم الاستفتاء والانتخابات في موعديهما؟

وتثير هذه التساؤلات بدورها وابلا آخر من الاستفهامات تتغذى من الضبابية التي تحكم قبضتها على المشهد السياسي العام، لكن الثابت أن الرئيس سعيّد يفرض على الجميع سياسة الأمر الواقع إلى حين إشعار آخر أو ثبوت العكس.

مقالات ذات صلة